كمانيليو

كمانيليو
قريبا في المكتبات

الجمعة، 22 نوفمبر 2013

قصــــة قصيـــــــرة بعنوان "مُجتمـــــــ (ع) ـــــــوانس


مجتمــــ (ع) ـــوانـــس

تقف نوال في مكتبها وتنظر من النافذة إلى بعيد ‘ من يدخل ويراها يظن انها تبحث عن شيئا ما
في الأفق البعيد.. تسمع طرقات خفيفة ثم يدخل شابا في عقده الثاني وفي يده ورقة مطوية ..
نوال باندهاش: صباح الخير يا محمود؟ خير في حاجة؟!
محمود باقتضاب: اتفضلي
نوال بتعجب: ايه ده؟
محمود وهو عاقد حواجبه غضبا: لما هتشوفيها هتعرفي ايه ده!
يضع الورقة المطوية على المكتب أمام نوال بغضب ثم يختفي سريعا ..
تمسك نوال الورقة بيدها التي ترتجف خوفا وتفتحها ببطىء لتعلم إنها ورقة طلب استقالة من
العمل..
تغمض عيناها بخوف ثم تجلس على المقعد وتقبض بشدة على الورقة وكأنها تحاول استيعاب
الأمر..

**************

في مكان آخر كانت فاطمة تبحث بين رفوف المكتبة العامة عن رواية جديدة لتقرأها ‘ تأخذ رواية
ما وكعادتها يكون محتواها رومانسي .. تبتسم وتتحسس بأناملها على عنوان الرواية ‘
وتشرق حنايا ملامحها وكأنها وجدت كنز ثم تذهب إلى ركن وحيد في آخر المكتبة وتهم بالقراءة..
ليأتي شابا في عقده الثالث من عمره بابتسامة رقيقة تذيب البؤس بداخل فنجان العمر..
تنظر فاطمة إليه بوجه عابس وسرعان ما تعود إلى الرواية لتقرأها بشغف ونهم.. يجلس الشاب
أمامها ويقول:
صباح الخير
تنظر فاطمة بدهشة إليه ثم تعود لقراءة الرواية
يعود الشاب من جديد يحيها ويلقي التحية: صباح الخير ‘ انا قاسم
تنظر إليه فاطمة مرة آخرى وتقول بنظرات كلها شزر: نعم! خير؟ هو انا سألتك عن اسمك؟!
أما أنت غريب بصحيح!!
قاسم بابتسامة جذابة أكثر:لا بس بعرفك على اسمي مش أكتر
فاطمة بغيظ مكتوم:حد قالك اني محتاجه اعرفه؟!
قاسم بهدوء:لا ! بس انا محتاج انك تعرفيه
فاطمة بحنق أكثر: لا مش عايزة! ولو سمحت أظن المكتبة فاضية ‘ محبكش تيجي وتقعد هنا ‘ انا
مختارة هنا مخصوص عشان اكون بعيدة عن اي حد ‘ فلو سمحت احترم الخصوصية بتاعتي بقى
وسبني اقرأ الرواية براحتي..
ينهض قاسم من مكانه ويذهب من خلف فاطمة ليقترب منها كثيرا حتى تكاد ان تلمس رائحة
عطره ‘ التي ما ان استنشقتها فتذهب إلى عالما آخر.. يمسك قاسم من خلف فاطمة الرواية
ويأخذها ثم يقلبها بين راحتيه ويقرأ أسم الرواية بكل هدوء:
يغزو أحلامي!!
تغمض فاطمة عينيها وقلبها يكاد يرقص رجفاً فيضع قاسم الرواية بهدوء أمامها من جديد ويقول:
ياه ده انتي طلعتي منافقة اوي
تغضب فاطمة كثيرا فتقول له:
انت مين اصلا ولا تعرفني منين عشان تقووول اني منافقة!
قاسم بهدوء:
ايوة منافقة لما تحاولي تبيني انك جامدة وانتي من جواكِ حاجه رقيقة اوي..
ينظر إليها لثوان معدودة ثم يقول:
هسيبك تكملي الرواية اللي شبهك دي ولينا يوم تاني نتقابل فيه.. سلام

***************

تقف في الصف أمام التلاميذ تحاول ان تشرح لهم الدرس ولكن هيهات فأفكارها تتبخر كقطرات
الندى عند بزوغ الشمس..
تأتي تلميذة صغيرة إليها: ابلة هو انتي تعبانة؟
تنظر أمل إليها بحنان وتقول:
لا يا حبيبتي
التلميذة: امال مالك يا ابلة؟ حساكِ عيانة ‘ بقالك عشر دقايق واقفة وسرحانة
تنظر إليها بكل حزن وكأن تلك الطفلة الصغيرة استطاعت أن تضع يديها على جرح غائر ينزف
في قلبها.. امتلأت عيناها بالدموع كادت أن تنفجر ولكنها كظمتها كعادتها ولوحت بشبه ابتسامة
وقالت بصوت عذب:
لا يا حبيبتي شوية صداع ‘ روحي اقعدي في مكانك يلا
نظرت إلى جميع التلاميذ وقالت:
النهاردة هديكوا راحة ‘ طلعوا كراريسكم وارسموا اي حاجة او اكتبوا اللي نفسكم بيه ‘ عبروا
عن كل اللي انتم حاسينه ‘ اوعوااا تحبسوا الكلام جواكم ‘ قولوا كل اللي جواكم من غير خوف..
كانت تتحدث وتنظر إلى أعينهم مباشرة وكأنها تقول لهم بأنها تحتاج إلى هذا الحديث ‘ ان تواجه
به نفسها الضعيفة.. جلست أمامهم وعادت بذاكرتها إلى الأمس ‘ الأمس الذي بات يحرقها..
يجرف سنون عمرها إلى أنهار اليأس من دون حساب! الأمس الذي بات كوشم حارق ‘ يحرقها
ويُذبل كل ما في داخلها..
كانت تجلس أمام والدتها وخالها ..
الأم: انتي اللي زيك بيتشرط على اييه ها؟! ده انتي تحمدي ربنا انه جالك عريس!! اللي زيك بقى
عنده دلوقتي عيل وانتي لسه عانس!!
هي بدموع:انتي السبب في اللي انا فيه ده!
خالها بغضب: ايه يا أمل الكلام اللي بتقوووليه ده! حد يكلم مامته ويقولها كده!
الأم بتعجب:أنااا؟ ليه؟ هااا؟
أمل بدموع وانهيار:ايووة انتي ‘ انتي اللي مليتي بكلامك وداني لحد ما وصلت للي انا فيه ده!
اوووعي تحبي يا أمل ‘ يا أمل اللي زيك يقعد معزز مكرررم لحد ما ابن الحلال يجيله! البنت
يا أمل لازم تحبس مشاعرها لحد ما يجيلها جوزها! خلتيني بقيت جامدة في مشاعري ‘ عمري
ما حبيت زي بقيت صحابي....
يقاطعها خالها بعصبية:حُب!! حُب ايه اللي انتي بتقووولي عليه ده! انتي اتهبلتي!!
أمل بغضب شديد:طب يااااارتني كنت حبييييت!! ياااااارتني اعرف احب!! ادينا لا طولت حُب ولا
طولت جوااااز! بقيت انسانة جامدة! لدرجة ان كل عريس يقعد معايا يحسسس بده ويهرب
مني!!
تنهض بغضب وتذهب الى غرفتها وتوصد الباب بعنف في وجههم كما وصدته من قبل أمام الحُب
فغضب وولى هاربا من حياتها..

*******************

تحمل في يدها باقة أزهار بيضاء ‘ تنظر إليهم بانكسار وحزن شديد ‘ ترتجل من السيارة .. ترتدي
الأسود كناية على حزنها.. تذهب إلى مقبرة فتقابل حارس المقابر الذي أول ما تقع عيناه عليها
فيقول بوجه متهلل أساريره:
اهلااا اهلاااا يا ست رانياااا ‘ تعيشي وتفتكري
رانيا بحزن: شكرا يا عم عبده
تهم بالذهاب إلى مقبرة هي تحفظها جيدا فيقول لها "عم عبده":
امبارح الست ام وائل بيه الله يرحمه كانت هنا  وامرتني اني ازرع ياسمين مش بنفسج
زي ما حضرتك طلبتي..
تنظر له نظرة تحمل الكثير من المعاني التي لم يفهمها وتتركه في ذهول وتعجب وتكمل بخطوات
ثقيلة إلى المقبرة..
تجلس أمامها وتضع أزهار البنفسج فوق القبر بكل رقة ‘ تقرأ الفاتحة وترفع راحتيها وتتضرع
بالدعاء وعندما تنتهي تجلس بالقرب من القبر وتقول:
وحشتني اوووي يا وائل! الدنيا وحشة من غيرك ‘ مش قادرة اتأقلم على البُعد ده.. انت علمتني
حجات كتير بس معلمتنيش اعيش من غيرك!
تصمت قليلا وتمسح بسرعة شديدة دموع هربت من أسفل نظارتها السوداء التي ارتدتها لتخفي
آثار الحزن التي عاثت فسادا بمقلتاها..
رانيا مرة آخرى:تخيل يا وائل عايزني اعيش حياتي! ماما وبابا يتخانقوا معايا عشان اتجوز
بيقولوا اني كده هبقى عانس ‘ بس انا قلتلهم لا! انا كنت مخطوبة لوائل وحتى لو الموت
سرقه مني مش هقدر اتخطب لحد تاني! انا اصلا اتجوزتك بقلبي وحبي وكل حاجة! هما اصلا
اتجننوا عشان يقولوا كده..
تنظر إلى زهور البنفسج وتقول: حتى مامتك مستكترة عليا الحبة اللي باجي واقعدهم فيها معاك!
مستكترة الدنيا اللي بقت فضلالي من ريحتك.. امبارح قالت لعم عبده ان قبرك هيتزرع فيه
ياسمين ‘ انا كان نفسي يتزرع البنفسج اللي بنحبه انا وانت..
تصمت قليلا ثم تقول مجددا: وائل تعالى بقى خدني.. انا مش قادرة وتعبت بجدد!
الدنيا كلها وحشة ‘ المجتمع اللي احنا عايشين فيه مجتمع مليان عفن!
تخيل الناس بدأوا يفتكروا اننا غلطنا مع بعض عشان كده خايفة اتجوز!! ماما كل يوم تقولي
كلام بشع بتسمعه من الناس حواليها.. مجتمع مش قادر يفهم كون اني اخترت ابقى عانس
من بعدك فده عشان مش قادرة احب حد غيرك! مش قادرة والله يا وائل ‘ ادي قلبي لغيرك!

******************

تفيق نوال من غيبوبة الأفكار التي داهمتها بعد خروج محمود غاضبا من المكتب ‘ تحمل حقيبتها
وتبحث عنه في مكتبه فلا تجده ‘ تهرول سريعا إلى الطريق علها تلحق به ‘ فتجده يهم بركوب
السيارة.. تسرع من خطواتها لتلحقه وتقول:
ايه اللي انت كتبته ده؟
محمود حانقا:استقالتي! أظن بتعرفي تقرأي!!
نوال بهستيريا: لالالالا أنت مجنووون؟! استقالة !! لييييه
محمود:مش هقدر اشتغل معاكي في نفس المكان
نوال بتوتر شديد:يعني ايييه؟
محمود ينظر إليها ويقول بقسوة: أنا لما حبيتك يا نوال مكنتش اعرفك انك جبانة كده!! افتكرت ان
حبي ليكي هيقووويكي ‘ بس لقيتك جبانة
نوال وهي ترتجف:محمود ... حاول تفهمني يا محمود! ....
تصمت قليلا فينظر مباشرة داخل عيناها فتشعر وكأن نظراته الحارقة ألجمت كل الكلام بداخل
فاهها..
تقول بتعثر:محمود انا لو كنت وافقتك ‘ المجتمع مكنش هيسبنا في حالنا
محمود بغضب شديد:في ستين داهية في أبو ده مجتمع! وهو من امتى بيسيب حد في حاله؟!!!
نوال بغضب:محددددددش هيوافق انك تتجوززززز واحدة أصغر منك بخمسسس سنييين!!
فوووووووووق بقى!! انت عندك 25 سنة وانا 30.. لا اهلك ولا اهلي ولا اي حد هيرحمنااااا!
محدشششش هيرحمنااااا يا محمود..حراااام عليك بقى متبقاش انت والدنيا والناس عليا!
محمود وقد ضاقت عيناه غضبا ‘ واصطكت أسنانه ببعضهما البعض :جبااااااانة وهتفضلي جباااانة..
نوال بصوت عالي:الناس هتقووول اني عشان عاااانس ضحكت عليك وغووويتك عشان
تتجوزني! محدش هيفهم يا محمود اننا حبينا بعض بجد محدش هيفهم صدقني..
محمود وقد امتلأت عيناه دموعا:انتي اللي اخترتي تبقي عانس عشان مجتمع ضيق الأفق وغبي
زيك! اعترف اني فشلت فاني اخرجك من برة دايرة العنوووسة اللي حبستي نفسك فيها!
استقالتي مش هرجع عنها يا انسة نوال.. ومن النهاردة اعتبريني مليش وجود..
يركب محمود سيارته على عجل ويترك نوال وسط قارعة الطريق ضائعة ‘ تحمل دموعها
بعجز وانكسار..

**********************

في اليوم التالي تستيقظ فاطمة ‘ كعادتها تظل مستلقاة بفراشها تعيد حسابات ماضيها على الأقل
لمدة ساعة ‘ ثم تنهض لتصلي وتفطر على عجل وتذهب إلى عملها.. وبعد أن ينتهي دوام عملها
الروتيني تذهب بكل حماس إلى المكتبة.. هناك تتنفس راحتها بين الكتب والأدباء.. تشعر أن
اصدقائها الحقيقين حُفِروا بين الحروف في الكتب.. في ساحة الأدب تلقي همومها بعيدا عن
كاهليها وترتدي قناعها الحقيقي وتغوص بكل رقة ودون خوف .. تبحث كعادتها بين الرفوف
على رفيق جديد ‘ تظل تبحث بعيناها وتبحث حتى تجد مبتغاها وما ان تجده حتى ترسم فوق
ملامحها ابتسامة النصر.. تحمله بكل نشوة وتذهب إلى ركنها المعتاد وتهم بالقراءة ..
تظل ساعات غارقة دون أن تشعر بالوقت.. يأتي مرة آخرى من جديد إليها برائحته التي تجلجل
وتبعثر كل مشاعرها من الداخل..
قاسم بابتسامة عذبة:صباح الخير يا فاطمة
تنظر إليه بذهول: أنت عرفت اسمي منين!
قاسم:اللي يسأل ميتوهش
يجلس أمامها ويقول: وحشتيني
ينطقها بكل همس وكأنه يعلم انطباع تلك الكلمة على مشاعرها المخبأة داخل أقفاصها..
فاطمة باقتضاب:لو سمحت انا بقرأ فلو عايز تقعد يبقى متتكلمش معايا
قاسم:ممكن اعرف انتي ليه بتبني مليون حاجز؟ مع انك لو خدتي بالك هتلاقي ان مفيش حاليا
بيني وبينك ولا حاجز!
تتلعثم فاطمة وتقول:ااا لو سمحت سبني أكمل
تحاول ان تغوص هاربة مرة آخرى بين حروف الكتاب الذي تحمله ولكنها خابت ولم تصد هدفها
المنشود..
يقترب قاسم إليها ويجلس بجانبها ويقول بكل جرأة:
طيب خليني يا ستي اشيل انا الحواجز واقرب اكتر
فاطمة:ممكن اعرف او افهم انت عايز ايه بالظبط
قاسم:عايز اقرب ليكي وانتي منعاني
فاطمة بدهشة:هو احنا نعرف بعض اصلا؟!
قاسم:انا سمعت عنك كتير ودورت عنك كتير
فاطمة بذهول وخوف:ليه؟!
قاسم:مفيش كنت بشوفك كتير هنا بالصدفة في المكتبة وانا بدور على حجات محتاجها وبقيتي
حالة هموت وافهمها ‘ وبعدين لما سألت عنك فهمت انك دايما لوحدك وبتيجي تقري هنا
بالساعات..
فاطمة بضيق: معتقدش ان قعدتك معايا هتفيدك ‘ بعد اذنك
تهم فاطمة بالقيام فيمسك قاسم يدها ويقول:
استني
تدق دقات قلبها سريعا وتشعر باضطراب مشاعرها في سائر أنحاء جسدها ‘ ثم تسمع الطبول
تقرع داخل معدتها خوفا..
فاطمة بغضب:أأ أنت ازاي تمسك ايدي كده؟!
قاسم بهمس:ايدك ناعمة اوووي
ترتبك فاطمة وتخجل أكثر:لو سمحت بعد اذنك
تهم مرة آخرى إلى الهروب فيقول لها:مش معنى انك اتجرحتي قبل كده ‘ يبقى تقفلي أبوابك على
نفسك!
تلتفت إليه والشرر يتطاير من عينيها وتقول:انت ازاي عرفت!
قاسم بهدوء:قلتلك سألت ودورت عليكي كتير!
تنظر إليه لثوان بغضب ثم تتركه وتركض بعيدا عنه..

***************

في المساء تجلس أمل في صالة منزلها مع والدتها وخالها وشابا في أواخر عقده الثالث ‘ الذي
أتى مع والدته ووالده.. تنظر أمل إليه بشغف في محاولة منها أن تعثر على خيط الأمل الذي
دوما تبحث عنه في كل رجل يطلب أن يقابلها ليعاينها وكأنها سلعة قبل أن يتفوه بالقبول لطلب
الزواج منها..
تحلق آملة في ربوع سماء أحلامها ‘ علها تستطيع ان تحرك مشاعر جامدة كالثلج قابعة داخل
كهوف عقلها.. لا تعلم كم من الوقت مر حتى بدأ الشاب كعادة غيره من قبله في الاستجواب
الذي تُرغم عليه.. مثلها لا يمتلكن مجال للرفض! لابد ان تنخاض لأوامر والدتها وخالها الذي
يتحكم في أمرها بعد وفاة والدها.. وبعد ساعات وبعد أن خرج الشاب ومعه والدته على أن
يهاتفوهم مرة أخرى إن حدث قبول..
الأم:ها ايه رأيك؟
أمل بيأس:مش حاسة بحاجة ناحيته
خالها:ايه الكلام الفاضي ده! ما الشاب زي القمر اهو واخلاق عالية ! لا يا عالية بنتك شكلها
بتتدلع!! تكونيش بتحبي من ورانا!
أمل:أحب؟! هه أحب ازاي بقى! ما البركة في والدتي ‘ خلت قلبي حجر! تفتكر يا خالي اللي
زيّ واتربوا على ان مشاعرهم تبقى ناشفة ممكن يفتحوا بيت في يوم من الايام!!
الام بغضب:يعني ايييه؟!
أمل بيأس شديد:اطمني مش هيتصلوا لانه ببساطة لقى كتلة جامدة قدامه! هيهرب زي غيره!
اطمن يا خالي لاني مش هلحق ارفضه لاني هترفض أصلا! تصبحوا على خير..

******************

بعد ثلاثة أيام دخلت رانيا إلى مقهى صغير اعتادت أن تقابل أصدقائها فيه.. دخلت وكعادتها
مرتدية الثياب السوداء ‘ بحثت سريعا بين الطاولات لتجد نوال تشير إليها من بعيد بابتسامة
مطعونة بخنجر الفراق..
رانيا بابتسامة هذيلة:ازيكم يا بنات
نوال وأمل وفاطمة في آن واحد:ازيك انتي
رانيا:اهو عايشة ‘ احكولي عملتوا ايه الأسبوع دده؟
نوال بحزن:محمود ساب الشغل ليا بعد ما ...
الكل باهتمام:بعد ايه؟
نوال بحزن:بعد ما قلتله مش هنقدر نتجوز
رانيا:ليه يا نوال ؟! حرام عليكي؟
نوال:محدش هيرحمني يا رانيا ولا اهلي موافقين ولا اهله ‘ يبقى ليه بقى نخوض معركة احنا
خسرانين ‘ خسرانين فيها..
أمل:هه انا لو أمي جالها عريس أصغر مني بعشر سنين هتوافق بيه لو هو وافق عليا وقال
هتجوزها عشان بس الناس ميقلوش اني عانس!
فاطمة:بردو العرسان اللي جم محستيش براحة ناحيتهم؟
أمل:لا والمشكلة انهم هما كمان بيهربوا مني! زي ما اكون عبارة عن بلوة تقيلة محدش عايز
ياخدها!
تربت فاطمة بحنان على ظهر أمل وتقول لها:لا يا أمل الحكاية بس ان نصيبك لسه مجاش!
تنظر أمل لها بحرقة وتقول:وانتي بقى؟ ايه حجتك في الولد اللي بيجري وراكي وعايز يكلمك
وكل مرة بتصديه!؟
فاطمة بارتباك:مم م أكيد ده ولد عايز يتسلى!
نوال:ايه ده ولد ايه ده؟
رانيا:تخيلي يا نوال ولد شكله معجب بيها والهانم رافضة تخليه يقرب منها! والولد لقطة وعمره
من عمرها كمان!
أمل:عشان اتجرحت مرة في الحب يبقى خلاص! تقفل على نفسها وتفضل كده  العمر يجري بيها
وهوبا تصحى في يوم تلاقيها عانس!
نوال:ما تسبيه يا فاطمة يكلمك؟ جربي؟ مش هتخسري حاجة
فاطمة بغضب:يا سلام شوف مين بيتكلم! وانتي سبتي محمود ليه ها؟ مجربتيش معاه ليه؟ ولا انتي
يا رانيا قافلة على قلبك ومش قادرة تنسي وائل ليه؟ وائل مات خلاص ومش هيرجع؟! وانتي
يا أمل مجربتيش ليه مع حد من غير ما كتلة الجمود اللي جواكِ تتحرك؟!
رانيا:انا مقدرش انسى وائل! وائل مجرحنيش انما انتي موقفة حياتك بعد ما اتجرحت وخلاص!
مش يمكن الولد ده أمل جديد لقلبك انه يرجع يتنفس ويعيش؟!
أمل:ايوة يا فاطمة ‘ استغلي المشاعر اللي محتاجه تصحى جواكِ دي بدل ما تيجي في يوم
وتلاقيها بقت حجر صوان!
نوال:ايوة خصوصا انه جاي بنفسه يدق بابك وعمره من عمرك! هه مش هتواجهي كلام عقيم
من مجتمع عقيم!
تنظر إليهم فاطمة جميعا ثم تبتسم وتقول:اممم هجرب
ينظرن جميعن إليها بحيوية والحلم يلمع داخل أعينهن ..
تقول رانيا:اهو يبقى واحدة مننا قدرت تهرب من العنوسة!
يضحكن جميعهن من قلوبهن..

****************

بعد شهر يجتمع الكل مجددا في المقهى المعتاد..
تدخل أمل على عجلة من أمرها لتجد رانيا ونوال فتقول:فاطمة بتقولي عندها خبر جديد
نوال بحماس:يااااارب يكون عن قاسم
رانيا بفرحة وحماس:يااااارب وتقول كده بقى انه اخيرا قالها بحبك وعايز اتجووزك
تدخل فاطمة وهي مبتسمة:ازيكم
الجميع:كويسين هاااا انتي عاملة ايه..
فاطمة بابتسامة:انا جمعتكم النهاردة عشان اقلكم على حاجه اكتشفتها
أمل بحماس شديد:هااا قاسم قالك بحبك؟
نوال:عايز يتجوووزك؟
رانيا:امتى هاا امتى
فاطمة بابتسامة:لا ولا اي حاجة من دي! هو قالي انه يعني هههههههه ....
نوال:اييييه؟
فاطمة بهستيريا:ههههههههههه
أمل بتعجب شديد:مالها دي طالع عليها بضحك!!
فاطمة:قالي يعني انه اتشد ليا اووي عشان .. هههههههه ... عشان هو مخرج وبيعمل فيلم قصير
ههههههههههههههه وشاف فيا قصة لازم يتعملها فيلم!
الجميع ينظر لها بتعجب شديد فأكملت وقالت:شاف اني واحدة في سني ولسه متجوزتش وعانس
عشان بهرب من جرح قديم فكان هيموت بقى ويتعرف عليا ويقرب مني عشان يفهمني ويدرس
حالتي ههههههههههه عشان الفيلم ده!!
نظرت نوال إلى رانيا ورانيا إلى أمل وأمل إلى فاطمة باندهاش وجميعهن أفواههن مفتوحة :
اييييييييييه؟!
تضحك فاطمة كثيرا وتقول:انا بقى فرحت عشان مكنش ينفع ابقى غير كده في مجتمع عوانس!
ثم تنظر إلى بعيد وعيناها تحمل سطورا من الخيبة والألم وتحمل معها أيضا نظرات أصدقائها
الاتي يحملن في قلوبهن جرحا عميق من مجتمع لم يفهم متطلباتهن ولم يحترم مشاعرهن!



الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

اجتيـــــــــــــاح مقيد .. قصـــــــة قصيــــرة

اجتياح مقيد!

تجلس في الحديقة تتأمل جمالها الخلاب ‘ ترتشف القليل من فنجان قهوتها ثم تنظر متمللة إلى
صفحات الجريدة.. وبعد بضع ثوان تلقيها متأففة على الطاولة أمامها.. تنظر حولها إلى حديقة
منزلها ‘ سحرها خلاب وما إن يقع نظر المار عليها حتى يقع في عشقها ولكنها هي كانت تشعر
في البداية بأن تلك الحديقة قفص يحبس حريتها.. تشعر بأن كل ما تمتلكه زائف لا يمثل
لها أي شيء.. كانت تتمنى لو أنها تزوجت إلى رجل آخر غير ذلك الذي أوقعها نصيبها به..
شاب جميل الملامح ‘ ورقيق المشاعر ولكنه لا يمتلك حبها أو قلبها! هو فقط يمتلك شفقتها..
تزوجته عرفانا بالجميل ‘ فوالدها كان يعمل عند والده وحين توفى تكفل والده بكل مصاريف
عائلتها وكل احتياجاتهم.. مازالت تتذكر تلك الليلة التي أتى إليها والده ليرجوها كسيرا بأن تقبل
بأبنه المتأخر فكريا وجسديا ..

كانت تعمل في مكتبها في شركة والده ‘ دخل إليها والحزن يتقدمه بألاف الخطوات:
ممكن في كلمة يا سحر؟
نظرت بكل ذهول إليه وقالت:
اتفضل يا عمي طبعا
جلس على الكرسي وصمت للحظات ‘ شعرت من خلال هذا الصمت بأن الأفكار تتصارع أمامها
لتقفز من نافذة مخيلتها إلى الواقع..
أطرق رأسه ثم رفعه وقال:
جيت أكلمك في موضوع حساس ‘ واستنيت لما الموظفين يمشوا يا بنتي واجي اكلمك بنفسي
هي وقد بدا القلق يساورها ‘ تلألأ التوتر داخل مقلتيها ‘ رسمت شبح ابتسامة وقالت:
اتفضل يا عمي؟ خير؟
قال لها ونظراته ترقص بعيدا عن عيناها:
انتي عارفة ان نصر ابني متأخر جسديا وفكريا ‘ هو اه بيفهم بس متأخر عن سنه شوية...
شعرت بثقل كلماته وسرت رعشة خوف بداخلها لمجهول مظلم مازلت لم تكشف عن نواياه ثم
قالت:
في ايه يا عمي؟ نصر ماله؟
نظر إلى عيناها مباشرة وقال مرتبكا :
نصر يا بنتي انا مش هعيشله طول عمري وو وانتي عارفة انه وحيد وملوش غيري دلوقتي ‘ وكنت
بدورله على واحده هتقدره فعلا وهتحافظ عليه وو بصراحة ....
صمت مرة آخرى وكأنه كان يصُر على أن يزف الخبر إليها ببطىء شديد يقتلها بهدوء..
هي بقلق: سكت ليه تاني يا عمي؟
هو: بصراحة يا سحر مش هلاقي لنصر واحدة احسن منك زيه..
وقع الصدمة كان كفيل أن يشل جميع حواسها ولو لثوان! حاولت ان تدرك الجملة الذي قالها
ولكنها بُغتت فقالت:
أنا؟!
هو بقلق شديد:
ايوة يا بنتي ‘ انتوا تعتبروا تربية ايديا من بعد ما باباكِ الله يرحمه اتوفى وانا اللي اتوليت
مسؤليتكم وعارف اني اخترلته بنت مش بس مؤدبة لا وعندها قلب رحيم هيحبه وهيحافظ
عليه..

كلماته كانت كفيلة بزلزلة البراكين الخامدة منذ أعوام! أحلامها ارتطمت بأرضية الواقع الجافة
لتتكسر إلى شظايا وفي كل شظية جرح غائر يجرحها.. هي حلمت كثيرا بفارس أحلام يغزو
واقعها المميت ‘ يخطفها بحصانه الأبيض أمام مرأى الجميع!
نظرت إليه وهي تشعر بأنها مكبلة ‘ لا تقوى على الرفض ولا تقوى على الموافقة ‘ هي ستتزوج
نصر ! هي تمتلك له كل المشاعر النبيلة ولكن نصر لن يحقق لها رغباتها في الحب!
قالت بكل استسلام:
اللي حضرتك عايزه هيكون
تبدد القلق من ملامحه وقال ببهجة:
بجد؟؟ يعني انتي موافقة يا بنتي؟؟ موووافقة يا سحر؟؟
هي بمرارة طعمها علقم قالت:
ايوة..

لا تعرف كيف هذا حدث؟ كل شيء مر سريعا وكأن الكل كان يخشى ان تعود في قرارها.. العرفان
بالجميل قادها إلى ان توافق على زيجة ستربطها العمر كله بشخص لا يناسب أحلامها وطموحاتها..
لم تبحث يوما كبقية الفتيات عن فارس ذو جاه يغدق عليها بكل الأموال والكنوز ‘ كانت تبحث
دوما عن فارسا شجاع كالذي كانت تقرأ عنه دوما في روايات الحب والعشق!! إنها تمقت الآن
تلك الروايات التي أغمضت عيناها عن الحياة المريرة.. أين ذلك الفارس الهُمام الذي سيأخذها
بكل قوة وشجاعة ويهتف في العلن " تلك الأميرة من نصيبي أنا" هي لا تكره نصر ‘ ولكنه
يخيب أمالها كثيرا ليس لأنه قعيد كرسي يقيد حريته عن التمتع بالعالم وليس لأنه متأخر فكريا
ولكنه لا يناسب قلبها.. قلبها عطش لحب جارف ونصر يحتاج إلى من يروي ظمأه هو الآخر!
فكيف لأثنا محرومين يعوضا بعضهما البعض!

صحت من أحلامها الحمقاء لترى نفسها ترتدي ثوبا أبيضا لا تتذكر من اختاره؟! هل والدتها؟
أم شقيقتها الصغرى؟ أم شقيقتها الآخرى؟ هي لا تتذكر أي تفاصيل لمذبحة آمالها..
تجلس كالدمية الخشبية التي تتحرك بأوامر من الكل ‘ أمام المأذون وبجانبها والدتها وخالها
 وعلى الطرف الأخر يجلس نصر وبجانبه والده..
لحظات آخرى لا تعرف كيف تمت دون أن تعي لها ‘ لتجد نفسها وقد أصبحت زوجة لنصر في
غرفة واحده ..

نصر شاب شعره قصير ناعم ‘ ذو عينين براقتين سوداوين يعلوهما حاجبان كثيفين وأنف مستقيم
حاد ‘ ذو وجه بيضاوي الشكل ‘ عريض المنكبين ‘ ملامحه وجهه طفولية ‘ عمره ثلاثون عام ولكن
عقله عقل شاب عمره خمسة عشر عاما..
نصر بعفوية وسذاجة:
أأ أنا مبسووط قووي
نظرت إليه بشفقة وقالت:
يارب دايما
نصر بابتسامة كبيرة:
أأ أ أنا فرحان ع عشان أنتي حاجه كبيرة أوي في قلبي
كادت ان تفر منها دمعه جبانة فوقفت وقالت :
هدخل الحمام اغير وارجعلك
نصر بحنان:
أأ أنتي مكسوفة مني؟

أدارت ظهرها ودخلت مسرعة إلى الحمام قبل أن تنفجر باكية أمامه ‘ حزنها في قلبها أكبر بكثير
من أن تضمد جراح نصر ‘ ليس ذنبه أنه وُلد ليجد نفسه مقيد بين مجتمع عاق! هي أيضا من حقها
أن تعوض حرمانها العاطفي مع رجل يستطيع ذلك في منظورها..
نظرت إلى نفسها في المرأة لترى وجه رقيق الملامح ‘ ذو عينين خضرواتين واسعتين وأنف حاد
الملامح وشفاه واسعة ومكتنزتين ‘ شعرها مجعد وناعم في نفس ذات الوقت.. تمسح دموعها على
عجل وتخلع رداء الحزن عنها وتعلقه على مشجب الحياة وترتدي قناع السعادة لتخرج بابتسامة
عذبة إلى نصر..

ينظر لها نصر بكل إعجاب وحب ويقول:
أأت أتأخرتي أتأخرتي وأنا اتخضيت عليكي
هي بخجل وارتباك:
معلش
تنظر يمينا ويسارا وتشعر بقلق وتوتر شديد فتقول:
اممم جعان؟
نصر وهو يفترسها بنظراته :
لا ‘ أأنتي جعانة؟
هي تمسك خصلات شعرها بتوتر وتعبث به بكل إرتباك قائلة:
لا أنا بس قلت أشوفك
يقترب نصر رويدا رويدا منها ثم يقول:
أنا لما بشوفك كأن بشوف الصبح
يرتجف قلبها من سذاجته فتبتسم رغما عنها وتقول:
ههه الصبح؟ اشمعنا؟
نصر بكل ثقة:
ع عشان لما بنشوف الص الصبح حتة في حياتنا بتنور بتنور يعني وا واا انتي بتنوري حياتي
أول أو أول ما اشوفك.
تصمت قليلا ثم تقول له:
هو انت محاولتش تعالج البطىء في كلامك؟
يرتبك نصر ويقول:
ال الدكتور قق قالي اا ان دي ح حالة نفسية ع عشان اا انا بخ بخاف يعني من من الناس حواليا
تنظر له برقة أكثر فتمسك يده وهي ترتجف وتقول له:
هنحاول مع بعض نعالج كل ده ‘ صح؟
نصر يبتسم برقة أكثر ويقول:
أأنا أنا عارف ا اانك مبتحبنيش زز زيّ بس بب بس أنا بح بحبك
هي بقلق:
انت طيب اوي

يبتسم لانه شعر بها ‘ شعر أنها تحاول ان تغير مجرى الحديث ‘ ربما هو متأخر جسديا وفكريا
ولكنه يشعر بها جيدا ‘ يحفظها عن ظهر قلب .. يحفظ شخصيتها جيدا ‘ فلطالما راقبها من بعيد حين
كانت تأتي إلى المنزل مع والده لتنهي عملها ..
 هو راقبها منذ أمد طويل ولكنه خشى ان يبوح بسر حبه لها ولوالده حتى لا يجرح كرامته ..
 قلق كثيرا حين فاتحه والده في أنه يرى سحر زوجة رائعة له
وقال له:
بب بس يا بب بابا أنا خ خايف لتكون مش عايزة؟
والده كاذبا: مين قالك كده بقى ‘ دي دايما تسألني عنك وملاحظ اهتمامها بيك
ألمه كذب والده كثيرا ولكنه كان يعلم أن والده يكذب خشية من أن يجرح كبريائه ‘ وأخذ يفكر
كثيرا هل يقبل بهذه الزيجة أم لا ..دخل في شتات فكري كاد أن يعصر عشقه لها.. هو يرى
أن من الظلم أن يقيدها بين أسوار حبه اللعين.. يعلم جيدا بأنه أضعف من أن يقدم الحب في
أجوّد صوره لها.. فمثلها لابد أن تتوج كملكة .. حبيبها لابد أن يكون مغوار في العشق..
*******************

حاول في تلك الليلة أن يمارس حقه معها كزوج حتى لا يشعر بضعفه ولا يجعلها تشعر بخيبة
ولكنه فشل .. أزاح الغطاء عنه بعصبية وحاول ان ينهض من الفراش فساعدته فنهرها بغضب
وقال:
سبييني أ أأ أنا بعرف أقوم كويس ‘ أ أأ أنا مش عاجز أووي كده
تنظر إليه وتشعر بوخز في قلبها لا تدرك سببه؟! لماذا تشعر وكأن عجزه جرحها هيّ؟! انتظرت
قليلا قبل أن تذهب وتبحث عنه ‘ وجدته يجلس في ظلام الحديقة يبكي ‘ شعرت بأنها تود لو
ذهبت واحتضنته بقوة وخبأته بداخلها ولكنها سرعان ما نفضت أفكارها وقررت ان تتركه وحده
بحرية..

صحت من شرودها ونظرت مجدداا إلى الحديقة من حولها ‘ مر الآن عام ومازالت هي كما
هي .. ولكنها تشعر بأن شيئا ما ينمو بداخلها !! تشعر وكأن الحب اجتاحها فجأة من حيث
لا تدري.. قامت من جلستها وذهبت إلى حجرتهما فوجدته يجلس حزينا فوق فراشه ..
جلست بقربه وكأنها تتودد إلى دفأ يشع من داخل قلبه وقالت:
مالك يا نصر ؟ ليه بقيت احس إنك مش بتحب تقعد معايا؟
نظر لها نصر بنظرة ضعيفة هزيلة وقال:
عع عشان بب بفكر إن ك كفاية ظظ ظلم كده
هي بذعر شديد وعدم فهم:
ظلم؟ مين اللي بيظلم مين؟
نصر وهو مطأطأ الرأس:
أأن أنتي مش ذنبك تت تجوزي واحد عاجز زيّ ‘ أأ أنا مش راجل أأ أنا ططفل أنا حتى أقل من اني
اكون طفل..
بدأت دموع عيناه تفيض بغزار من مقلتيه ‘ كلماته كانت سوطا يجلده بكل قسوة فيمزق روحه إربا
إربا..

شعرت سحر هي أيضا بسوط كلامه يعريها ويجردها من كل شيء! ياله من تناقض رهيب شعرت
إنها محاصرة بداخله! في البداية كانت تشعر بأنها مقيدة داخل هذه الزيجة والآن حين أخبرها
نصر بأنه يريد ان يقدم لها حريتها شعرت بغصة كبيرة..
نظرت إليه بهلع وقالت:
يعني ايه يا نصر؟
نصر:هه أ أنا هه هطلقك
ركضت من دون ان تفكر للحظة واحدة واحتضنته بشدة ‘ اعتصرته وكأنها تحاول أن تختبأ بداخله..
تشبثت به وكأنها طفل غريق يتعلق بطوق النجاة وقالت:
يبقى انت مش فاهم اي حاجة ! انا ممكن في الاول مكنتش بحبك بس انا دلوقتي مقدرش اعيش
من غيرك ! انا طول الفترة اللي فاتت كنت فاكرة اني زهقانة من حياتي عشان معاك ‘ لكن
اكتشفت اني كنت زهقانة عشان انت بتبعدني عنك!!
ارتجفت جميع مشاعر نصر ودق قلبه بحيوية حين شعر بضمتها له ‘ لامس بأنامله وجنتاها
بكل رقة .. نظرت إليه مباشرة وقالت:
في الوقت اللي كنت بتبعدني فيه لمس قلبي الحب اللي جواك! نصر انا كنت فاكرة انك مش هتقدر
تكون الفارس اللي بحلم بيه عشان ... عشان .... انت عاجز .. بس اكتشفت اني انا اللي كنت
عاجزة لما مخدتش بالي من حب جواك انا طول عمري بحلم بربعه!
احتضنها نصر بقوة وقال:
بب بس أأ أنتي مم مكن تكوني وا واهمة نفسك
هي وعيناها تفيضا بوهجا لم تدركه من قبل :
أنا كنت موهومة لما افتكرت انك مش هتقدر تديني كل الحب اللي نفسي فيه وبحلم بيه ‘ انت ادتني
كل الحب من غير ما حتى تبذل مجهود ! ادتني الحب ده لما كنت بتقلق عليا من أقل حاجه ‘ أدتني
الحب ده بالأمان اللي حسيت بيه في حضنك أول يوم حضنتني فيه
نصر بحزن:
بب بس أنــ أنااا مش حاسس اني فعلا ممكن أأ أكون أمانك
ابتسمت بكل رقة وقالت:
أنت فعلا أماني يا نصر ‘ انا عمري ما حسيت اني ليا ضهر إلا معاك! باباك عمل احسن
حاجه في حياته لما اختارك تكون ليا!! نصر انا ندمانة على السنة اللي محاولتش افهمك فيها
اني فعلا محتاجاك انت!!
نصر بقلق:
بب بس هيجي يي يوم وتتعبي
هي بكل طاقة:
وانت تعبت لما كنت بتسهر على راحتي لما كنت بعيا؟ انت تعبت لما كنت بتهتم بكل تفصيلة في
حياتي؟ انت تعبت لما كنت بتقدملي الحب كل يوم على اد ما تقدر؟
نظر إليها نصر بنظرة حب ثم قال:
بب بس أأ أنا حتى م مقدرتش لل ليلة الجواز أح أحسسك بأني رر راجل طبيعي
احتضنته مرة آخرى إليها واحتضنت وجهه بكفيها الاثنين وقالت بحنان:
الدكتور النفسي قال ان اللي حصل ده عشان انت كنت خايف وقلقان ‘ لكن دلوقتي احنا الاتنين
عارفين اننا بنحب بعض اوي يا نصر ‘ نصر مش كون ربنا حرمك من حاجات يبقى انت ملكش
الحق تعيش حياة طبيعية ! بالعكسسس انت زيك زينا ويمكن احسن كمان!
نصر بسذاجة وفرحة وببراءة الأطفال:
تت تعالي أوريكي أا أنا عملت ايه
هي بكل فرحة:
وريني
يذهب نصر بمقعده إلى خزانة وفتحها وأخرج منها لوحة متوسطة الحجم مغطاة بغطاء أحمر ‘ أزاح
الغطاء برقة ليكشف عن لوحة مرسومة بالألوان الزيتية لسحر..
سحر بكل انبهار:
الله دي أناااا ‘ حلووووووة اووووي يا نصر مين اللي راسمها؟
نصر وهو سعيد:
أأ أنا اللي رسمتها
نظرت سحر بكل انبهار إليه وقالت:
وبتقول مش هتسعدني؟! أنت أقل حاجة بتعملها ليا بتعرف تخليني سعيدة! أنت حافظني وفاهمني
أكتر من نفسي يا نصر..
نصر بخوف:
هتت هتستحملي الحي الحياة معايا؟
سحر بكل رقة:
أنت يا نصر الحياة! أنت عرفت تجتاحني بكل حواسك!
نصر بحزن:
اجتياحي عاجز ‘ مقيد بكرسي ومشلووول فكريا!
سحر بابتسامة تزهوها العشق:
مين قال انه عاجز؟! اجتياحك قدر يطير بيا لأبعد من الدنيا ‘ قدر يديني حب عمر ما حد هيعرف
يدهوني زيك! اجتياحك إعصار رقيق قدر يجرفني معاه لبحار من الهيام!
أمسك يدها بكل حُب وهمس:
طب تعالي نقعد شوية في الجنينة
سحر بسعادة كبير:
تؤ مش شوية بس ‘ نقعد العمر كله سوا
ودفعت بمقعده بكل رقة وملامحها تشرق سعادة ‘ وملامحه كانت ترقص بهجة!


النهايــــــــــــة